الخميس، 13 نوفمبر 2014

من ذكريات زمن الشموخ أساتذتي (10) المناضل الكبير أمين محمد أمين

ربما تضايق صديقي امين من الكتابة عنه وهو العاشق لسريان حياته وسط نهر الصمت النضالي لان عناق الارض العطشى لدفق الطمي يلقح مشاعر عنيقه وينبت حياة جديده تعلن عن نفسها بوسائلها الخاصه حين يحين حينها وحتى يحين حينها عند امثال امين هو عندما يلتقي التاريخ في مسيرته الصاعده نحو التقدم بنتائج سنوات التراكم النضالي فتنفجر ينابيع الثوره الشعبيه بكل الضوضاء والعنفوان وهي تغير خارطة العالم ولايمكن لتلك النتيجه انن تتحقق الا بتضحيات الصامتين في صخب الحركه الجماهيريه وهم يرسون دعائمها ويمهدون ارضها ويقدمون في سبيل ذلك اغلى ايام حيواتهم وزهرة شبابهم مهرا لذلك العرس الجميل
عندما اقنعني الحزب بالانضمام الى الحركه النقابيه وكنت قبلها يساريا متطرفا يرفض العمل النقابي بوصفه تيارا اصلاحيا يعرقل الثوره البروليتاريه كان لابد ان اتعرف بقيادات الحزب العماليه وقد جمعتني الصدف الحزبيه باستاذنا عبدالعاطي محمد السيد فقد بدأت نشاطي بفرع السكن بحي هدل الذي كان يقطنه وقد كان رحمه الله من رموز الحزب الشيوعي في منطقتنا كقائد عمالي عاصر الشهيد الشفيع وربما حال فارق السن والرهبه من ان نستفيد كثيرا منه الا انه قد قدمني الى الامين على هامش احد اللقاءات الحزبيه ومنذ الوهله الاولى احببت امينا الصامت والجاد ربما اكثر من اللازم فهو عكس شخصيتي المتحمسه والكثيرة الكلام وقد دعاني الى زيارته حيث يقطن بمنزل في اخر سلالاب تلك الايام فتحركت ذات عصر جميل نحو منزله عبر المدينه سيرا على الاقدام فوصلت منزله القصي بعد غياب الشمس ووجدته عازبا منظم الحياه في منزل بسيط أكثر ما اعجبني فيه سياج معروش يعج بدجاجات مرحات يتحلقن حول ديك نشيط فمنيت نفسي باكلة بيض لذيذه وقد صدقت توقعاتي فلم يلبث امين ان مد يديه داخل السياج وعاد بهما ممتلئتان ببيض طازج جهزه سريعا مع رغيف ساخن اتبعه بكوب من الشاي باللبن أنسياني المجهود الذي بذلته في المشوار الى منزله البعيد وقد لاحظت عند عودتي انني على عادتي السيئه قد كنت المتحدث الرئيس معظم الوقت فقد كان الامين يمتلك فضيلة الانصات الجميل
بعد ذلك تتالت لقاءاتي به وتوثقت صلتي معه وكنا دائما مانجد امينا حيث نريد يقدم مساعداته الرفاقيه وخدماته وخبراته بهدووء ثم ينصرف بنفس الهدوء الذي قدم به
اذكر انه وعندما اطاح السيد الصادق المهدي بحلفاءه من الجبهه الاسلاميه وعاد الى محبوبه القديم الاتحادي الديمقراطي حاول اتباع الترابي الضغط عليه عبر بعض النقابات التى كانو يشغلون مناصب فيها وقد كانت اذمة مياه القضارف وماتبعها من اضراب عام بالمدينه حديث المجالس فحاولو نقل تلك التجربه الى البورت والتى تعاني من نفس المشكله وحيث ان وضعهم في النقابات العماليه كان ضعيفا على عكس وجودهم بنقابات المهنيين (نتيجة نشاطهم في الحركه الطلابيه) فقد دعو الى اجتماع عام للنقابات بدار اتحاد العمال بالبورت للدعوه الى اضراب عام بالمدينه احتجاجا على اذمة المياه ومع الاسف فان نقابات العمال والتى كان للاتحاديين الحجم الاكبر بينها(وقياداتها من سدنة مايو الذين انضمو الى الاتحادي الديمقراطي) فقدايدو مشروع الاسلاميين وهم على كل حال اعضاء سابقون بالاتحاد الاشتراكي وتجمعهم مصالح مشتركه عبر بنك فيصل وشركاته
وقد وقف الشيوعيون والديمقراطيون سد منيعا ضد ذلك الاضراب الانتهاذي وكنا موجودين في نقابات عديده الا اننا كنا نقود فعلا نقابة الغزل والنسيج الدولي وقد شهدت دار الاتحاد صراعا عنيفا وصل مرحلة الملاسنات واذكر ان احد كوادر الجبهه الاسلاميه ولم اكن اعرفه كان مخصصا للتشويش علي فما كنت اتجه الى اي مكان الا واراه يقفز امامي كشيطان العلبه فقد كان بالرغم من لحيته يتراقص بطريقة استفزازيه لكي يمنعنا من الكلام تسنده منصة الاجتماع حتى ضقنا ذرعا به فنحن لم نكن نعرفه فقد كان يعمل بالخطوط البحريه ونحن بالقطاع الخاص وفي عز المعركه وقد هم بعض شباب نقابتنا بالبطش به لكي يتيحو لي فرصة للكلام اذ طلب مني احد الزملاء بالمواني (حيث يعمل امين) بالذهاب الى خارج الدار لمقابلته لامر طارئ وبالرغم من ضيق الوقت فقد كنت اعلم ان امينا لايدعوني اعتباطا فهرعت اليه فاذا به يقدم الي موجزا لتاريخ حياة ذلك المهرج الاسلامي وهو امر لايشرف لحيته بتاتا فانطلقت مرحا وكنت في تلك الايام اتجول حاملا كيسا بلاستيكيا اضع فيه اوراقي وقد طلبت من الزميل ضمره عبدالحفيظ وكان عضوا جديدا بالحزب ممتلأ حماسا ان يحمي ظهري ورميت نفسي وسط صفوف الانتهازيين والاسلاميين حتى وضعت وجهي الغاضب امام لحية المهرج وانا اصيح به على طريقتهم(الان حصحص الحق يافلان)فاندهش لمعرفتي باسمه فقلت له وسط الصمت الذي ساد (يافلان انت تتطاول علينا منذ المغرب ونحن صابرون عليك واما الان فقد زودنا الحزب بملف كامل عن حياتك فاما ان تلزم الصمت حتى نهاية هذا الاجتماع او اقراه على الملأ ورقة ورقه) كل ذلك وانا اهز امامه كيسي الشهير الامر الذي ملأ ضمرة اثارة فخرج عن النص وهم بخطف الكيس وهو يصيح(امك الملف السري وريني وريني) بينما اصيب المهرج بذاعر حقيقي وهو يتشبث بي صائحا(نشدتك الله ياشيخ عبدالله انا قبلت امرك))
ثم لزم مقعده مؤدبا وهو يرسل الي كل لحظة واخرى نظرات متوسله بان اترك الطايق مستورا ......هكذا كان امين يتابع بصمت ثم يهرع للنجده من حيث لاتحتسب
ومن طرائف ما اذكره عن امين انه وبعدما تمكنا من استصدار اعلان بالاضراب السيتاسي لمدة ثلاثه ايام من اتحاد العمال وشاركنا به في انتفاضة ابريل بدأ الصراع يحتدم بعد سقوط نظام مايو واصرارنا على الاستمرار في الاضراب حتى حل جهاز امن الدوله في مواجهة رغبة الانتهاذيين لانهاء الاضراب باعتبار انه كان من اجل اسقاط مايو ومايو قد سقطت وكانت النقابه العامه لهيئة الموانئ البحريه اكبر نقابه عامه بالاتحاد ولها ثقلها الكبير باعتبار اضرابها معطلا للموانئ فقد دعت قيادتهم الى جمعيه عموميه بدار عمال الموانئ بحي السوق ولم يلبث ذلك الاجتماع ان تحول الى عراك بالايدي بين الشيوعيين واصدقاؤهم والانتهاذيين واتباعهم ووصل الاشتباك الى الشارع المظلم مماتطلب منا الهجوم مساعدة لرفاقنا فخير لنا ان يتحول الاجتماع الى عراك بدلا من استمرار عقده وليس لنا اغلبية به وبينما كنت اهرع نحو المعركه اذ بي افاجئ بامين النحيف الذي لايتجاوز وزنه ثلاثون كيلو غرام يشتبك مع عملاق هائل الحجم فصحت مندهشا (امين ثبتت الغوريلا ده كيف؟؟)فاذا بالغوريلا وهو يحاول جاهدا التملص من امين وهو يصيح (يا اخوانا الزول ده لاصق فيني ذي القراده) فجررته من قدمه لكي افقده توازنه وانا اهتف (عاش نضال الطبقه العامله)فهوى العملاق على الاسفلت صائحا (عليكم لعنة الله ياكفره)
تعرض امين للمعتقلات اكثر من مرة ابان حياته النضاليه الطويله وقد كان برنامجه بالمعتقل يمضي بنفس وتيرة حياته العاديه تجده مستمعا اكثر منه متكلما ومبادرا باخذ التكاليف وتقديم الخدمات بكل همة واقتدار ومقبلا عالى الدروس وحلقات النقاش بكل عقله وقلبه ولهذا ظل دائما ركيزة من ركائز الثبات والصمود في تاريخ الحزب الشيوعي والحركه العماليه بالبورت وقد كانت طريقته في الصمود تصل الى مستويات مذهله واذكر انه وبعد اعتقالنا عقب انقلاب الجبهه الاسلاميه في يوليو 1989 وبعد اكثر من ستة اشهر ونصف الشهر بدأت حملات اطلاق سراحنا على دفعات وكان امين اخر من بقي بكوبر منا وبعد فترة تم ضمه الى احدى نقليات المساجين بالخطأ الى سجن القضارف وبعدما امضى فيه فترة من الوقت اكتشف مدير السجن واثناء اجراء مراجعه روتينيه للسجناء بعهدته وقد كانو يصنفون حينها على حسب مواد القانون الجنائي التى تم سجنهم بموجبها اكتشف المدير ان امينا بلاملف فاستدعاه حيث اكتشف انه معتقل سياسي فاجرى عدة اتصالات انتهت باطلاق سراحه وصحيح اننا كنا نرسل مذكرات احتجاجيه كل اربعة اشهر عند تجديد اعتقالنا ولكن امينا كان ليظل صامدا ولو امتد اعتقاله سنينا
مازال امين بنفس ثباته القديم وقوة شكيمته المعهوده وقد تجاوز الستون قبل عقد مضي يسير بنفس جسده النحيف هادئا ووقورا لم تغير منه السنوات وقد ذادته سنوات نضاله قوة على قوته وهو الامين الذي نحبه والذي يضيئ وجهه بابتسامة جميله كلما صافحت عيناه زميلا قديما فيقول لك بصوته الهادئ وكأنه كان معك منذ الامس (وينك ياراجل)
الامين ايها العزيز دمت قويا ومعافى لانك حقيقة من ركائز حياتنا النضاليه

mousaabdala@yahoo.com